فصل: كِتَابُ الصِّيَامِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.كِتَابُ الصِّيَامِ:

مَصْدَرُ صَامَ كَالصَّوْمِ (وَهُوَ) لُغَةً الْإِمْسَاكُ، وَمِنْهُ {إنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} وَقَوْلُ الشَّاعِرِ: خَيْلٌ صِيَامٌ وَخَيْلٌ غَيْرُ صَائِمَةٍ تَحْتَ الْعَجَاجِ وَأُخْرَى تَعْلُكُ اللُّجُمَا يُقَالُ لِلْفَرَسِ: صَائِمٌ إذَا أَمْسَكَ عَنْ الْعَلَفِ، مَعَ الْقِيَامِ، أَوْ عَنْ الصَّهِيلِ فِي مَوْضِعِهِ، وَيُقَالُ: صَامَتْ الرِّيحُ، إذَا أَمْسَكَتْ عَنْ الْهُبُوبِ و(شَرْعًا إمْسَاكٌ عَنْ أَشْيَاءَ مَخْصُوصَةٍ) هِيَ مُفْسِدَاتُهُ الْآتِيَةُ فِي الْبَابِ بَعْدَهُ (بِنِيَّةٍ فِي زَمَنٍ مُعَيَّنٍ)، وَهُوَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، (مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ) وَهُوَ الْمُسْلِمُ الْعَاقِلُ غَيْرَ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ.
(صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ) مِنْ كُلِّ عَامٍ (أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَفُرُوضِهِ) الْمُشَارِ إلَيْهَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» الْحَدِيثَ (فُرِضَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ) إجْمَاعًا (فَصَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ رَمَضَانَاتٍ) إجْمَاعًا.
(وَالْمُسْتَحَبُّ قَوْلُ: شَهْرُ رَمَضَانَ) كَمَا قَالَ تَعَالَى {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (وَلَا يُكْرَهُ قَوْلُ رَمَضَانَ بِإِسْقَاطِ شَهْرٍ) لِظَاهِرِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَذَكَرَ الْمُوَفَّقُ أَنَّهُ يُكْرَهُ إلَّا مَعَ قَرِينَةِ الشَّهْرِ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَجْهًا: يُكْرَهُ.
وَفِي الْمُنْتَخَبِ: لَا يَجُوزُ، لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «لَا تَقُولُوا جَاءَ رَمَضَانُ فَإِنَّ رَمَضَانَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى» وَقَدْ ضُعِّفَ وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: هُوَ مَوْضُوعٌ وَسُمِّيَ رَمَضَانَ لِحَرِّ جَوْفِ الصَّائِمِ فِيهِ وَرَمْضِهِ، وَالرَّمْضَةُ شِدَّةُ الْحَرِّ، وَقِيلَ: لَمَّا نَقَلُوا أَسْمَاءَ الشُّهُورِ عَنْ اللُّغَةِ الْقَدِيمَةِ وَافَقَ شِدَّةَ الْحَرِّ وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يُحَرِّقُ الذُّنُوبَ وَقِيلَ: مَوْضُوعٌ لِغَيْرِ مَعْنًى كَبَقِيَّةِ الشُّهُورِ،
وَجَمْعُهُ: رَمَضَانَاتٌ وَأَرْمِضَةٌ، وَرَمَاضِينُ وَأَرْمُضٌ وَرَمَاضٌ وَرَمَاضِيّ وَأَرَامِيضُ.
(وَيُسْتَحَبُّ لِلنَّاسِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ أَنْ يَتَرَاءُوا هِلَالَ رَمَضَانَ وَيَجِبُ صَوْمُهُ) أَيْ شَهْرِ رَمَضَانَ (بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ}- إلَى قَوْلِهِ- {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ» وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى وُجُوبِهِ إذَنْ (فَإِنْ لَمْ يُرَ) الْهِلَالَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ (مَعَ الصَّحْوِ كَمَّلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ صَامُوا) بِغَيْرِ خِلَافٍ وَصَلُّوا التَّرَاوِيحَ كَمَا لَوْ رَأَوْهُ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ.
وَيُسْتَحَبُّ تَرَائِي الْهِلَالِ احْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ وَحِذَارًا مِنْ الِاخْتِلَافِ وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَفَّظُ فِي شَعْبَانَ مَا لَا يَتَحَفَّظُ فِي غَيْرِهِ ثُمَّ يَصُومُ لِرُؤْيَةِ رَمَضَانَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «أَحْصُوا هِلَالَ شَعْبَانَ لِرَمَضَانَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَإِذَا رَأَى الْهِلَالَ كَبَّرَ ثَلَاثًا وَقَالَ «اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالْإِيمَانِ وَالْأَمْنِ وَالْأَمَانِ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ» وَيَقُولُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: هِلَالَ خَيْرٍ وَرُشْدٍ، وَيَقُولُ: «آمَنْتُ بِاَلَّذِي خَلَقَكَ» ثُمَّ يَقُولُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ بِشَهْرِ كَذَا وَجَاءَ بِشَهْرِ كَذَا» قَالَهُ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، وَالتَّوْفِيقِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ».
(وَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ) أَيْ مَطْلِعِ الْهِلَالِ (غَيْمٌ أَوْ قَتَرٌ أَوْ غَيْرُهُمَا) كَالدُّخَانِ، وَالْقَتَرُ وَالْقَتَرَةُ مُحَرَّكَتَيْنِ: الْغَبَرَةُ (لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ لَمْ يَجِبْ صَوْمُهُ قَبْلَ رُؤْيَةِ هِلَالِهِ أَوْ إكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ) يَوْمًا (نَصًّا، وَلَا تَثْبُتُ بَقِيَّةُ تَوَابِعِهِ) كَصَلَاةِ التَّرَاوِيحِ وَوُجُوبِ الْإِمْسَاكِ عَلَى مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، (وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَأَصْحَابُهُ وَجَمْعٌ) مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ ذَكَرَهُ فِي الْفَائِقِ وَصَاحِبُ التَّبْصِرَةِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هَذَا مَذْهَبُ أَحْمَدَ الْمَنْصُوصُ الصَّرِيحُ عَنْهُ، وَقَالَ: لَا أَصْلَ لِلْوُجُوبِ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَلَا فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَرَدَّ صَاحِبُ الْفُرُوعِ جَمِيعَ مَا احْتَجَّ بِهِ الْأَصْحَابُ لِلْوُجُوبِ وَقَالَ: لَمْ أَجِدْ عَنْ أَحْمَدَ كَلَامًا صَرِيحًا بِالْوُجُوبِ وَلَا أَمَرَ بِهِ فَلَا يَتَوَجَّهُ إضَافَتُهُ إلَيْهِ انْتَهَى.
لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعَا «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ يَوْمُ شَكٍّ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الشَّهْرِ، فَلَا يُنْتَقَلُ عَنْهُ بِالشَّكِّ (وَالْمَذْهَبُ: يَجِبُ صَوْمُهُ) أَيْ صَوْمُ يَوْمِ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إنْ حَالَ دُونَ مَطْلَعِهِ غَيْمٌ أَوْ قَتَرٌ وَنَحْوُهُمَا (بِنِيَّةِ رَمَضَانَ حُكْمًا ظَنِّيًّا بِوُجُوبِهِ احْتِيَاطًا لَا يَقِينًا)، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَأَكْثَرُ شُيُوخِ أَصْحَابِنَا وَنُصُوصُ أَحْمَدَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ وَابْنِهِ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَمُعَاوِيَةَ وَعَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ بِنْتَيْ أَبِي بَكْرٍ، وَقَالَهُ جَمْعٌ مِنْ التَّابِعِينَ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ مَرْفُوعًا قَالَ: «إذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَمَعْنَى «فَاقْدُرُوا لَهُ» أَيْ: ضَيِّقُوا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} أَيْ: ضُيِّقَ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ شَعْبَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: اُقْدُرُوا زَمَانًا يَطْلُعُ فِي مِثْلِهِ الْهِلَالُ، وَهَذَا الزَّمَانُ يَصِحُّ وُجُودُهُ فِيهِ أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ: فَاعْلَمُوا مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ أَنَّهُ تَحْتَ الْغَيْمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنْ الْغَابِرِينَ} أَيْ: عَلِمْنَاهَا.
مَعَ أَنَّ بَعْضَ الْمُحَقِّقِينَ قَالُوا: الشَّهْرُ أَصْلُهُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: «كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إذَا مَضَى مِنْ شَعْبَانَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا بَعَثَ مَنْ يَنْظُرُ لَهُ فَإِنْ رَآهُ فَذَاكَ وَإِنْ لَمْ يَرَهُ وَلَمْ يَحُلْ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ وَلَا قَتَرٌ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، وَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ أَوْ قَتَرٌ أَصْبَحَ صَائِمًا»، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ رَاوِي الْخَبَرِ وَأَعْلَمُ بِمَعْنَاهُ فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ كَمَا رُجِعَ إلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ خِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ يُؤَكِّدُهُ قَوْلُ عَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ: «لَأَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ»؛ وَلِأَنَّهُ يَحْتَاطُ لَهُ، وَيَجِبُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ خَبَرَ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ وَقَدْ خَالَفَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ فَرَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلَاثِينَ» وَرِوَايَتُهُ أَوْلَى؛ لِإِمَامَتِهِ وَاشْتِهَارِ عَدَالَتِهِ وَثِقَتِهِ وَمُوَافَقَتِهِ لِرَأْيِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: ذِكْرُ شَعْبَانَ فِيهِ مِنْ تَفْسِيرِ ابْنِ أَبِي إيَاسٍ، وَلَيْسَ هُوَ بِيَوْمِ شَكٍّ كَمَا يَأْتِي (وَيُجْزِئُهُ) صَوْمُ يَوْمِ الثَّلَاثِينَ حِينَئِذٍ (إنْ بَانَ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ رَمَضَانَ بِأَنْ ثَبَتَتْ رُؤْيَتُهُ بِمَكَانٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ صِيَامَهُ وَقَعَ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ قِيلَ لِلْقَاضِي: لَا يَصِحُّ إلَّا بِنِيَّةٍ وَمَعَ الشَّكِّ فِيهَا لَا يَجْزِمُ بِهَا فَقَالَ: لَا يُمْنَعُ التَّرَدُّدُ فِيهَا لِلْحَاجَةِ كَالْأَسِيرِ وَصَلَاةٍ مِنْ خَمْسٍ.
(وَيُصَلِّي التَّرَاوِيحَ لَيْلَتَهُ) إذَنْ (احْتِيَاطًا لِلسُّنَّةِ) قَالَ أَحْمَدُ: الْقِيَامُ قَبْلَ الصِّيَامِ (وَتَثْبُتُ بَقِيَّةُ تَوَابِعُهُ) أَيْ: الصَّوْمِ (مِنْ وُجُوبِ كَفَّارَةٍ بِوَطْءٍ فِيهِ وَنَحْوِهِ) كَوُجُوبِ الْإِمْسَاكِ عَلَى مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ النِّيَّةَ، وَنَحْوِهِ لِتَبَعِيَّتِهَا لِلصَّوْمِ (مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ) بِأَنْ لَمْ يُزْمِعْ الصَّحْوُ هِلَالَ شَوَّالٍ بَعْدَ ثَلَاثِينَ لَيْلَةٍ مِنْ اللَّيْلَةِ الَّتِي غُمَّ فِيهَا هِلَالُ رَمَضَانَ فَيَتَعَيَّنُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ بِالْوَطْءِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ (وَلَا تَثْبُتُ بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ مِنْ حُلُولِ الْآجَالِ وَوُقُوعِ الْمُعَلَّقَاتِ) مِنْ طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ.
(وَغَيْرِهَا) كَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَمُدَّةِ الْإِيلَاءِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ خُولِفَ لِلنَّصِّ، وَاحْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ عَامَّةً.
تَتِمَّةٌ:
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: الْبُعْدُ مَانِعٌ كَالْغَيْمِ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ حَنْبَلِيٍّ يَصُومُ مَعَ الْغَيْمِ أَنْ يَصُومَ مَعَ الْبُعْدِ لِاحْتِمَالِهِ انْتَهَى قَالَ ابْنُ قُنْدُسٍ: الْمُرَادُ بِالْبُعْدِ الْبُعْدُ الَّذِي يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ كَالْمَطْمُورِ وَالْمَسْجُونِ وَمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَطْلِعِ شَيْءٌ يَحُولُ، كَالْجَبَلِ وَنَحْوِهِ.
(وَإِنْ نَوَاهُ احْتِيَاطًا) أَيْ: صَوْمَ يَوْمِ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ (بِلَا مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ) مِنْ رُؤْيَةِ هِلَالِهِ، أَوْ إكْمَالِ شَعْبَانَ، أَوْ حَيْلُولَةِ غَيْمٍ أَوْ قَتَرٍ وَنَحْوِهِ (كَ) أَنْ صَامَهُ لِ (حِسَابٍ وَنُجُوم) وَلَوْ كَثُرَتْ إصَابَتُهُمَا (أَوْ مَعَ صَحْوٍ، فَبَانَ مِنْهُ لَمْ يُجْزِئْهُ) صَوْمُهُ، لِعَدَمِ اسْتِنَادِهِ لِمَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ شَرْعًا (وَيَأْتِي) ذَلِكَ.
(وَكَذَا لَوْ صَامَ) يَوْمَ الثَّلَاثِينَ (تَطَوُّعًا فَوَافَقَ الشَّهْرَ لَمْ يُجْزِئْهُ لِعَدَمِ التَّعَيُّنِ، وَإِنْ رَأَى الْهِلَالَ نَهَارًا فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ) كَانَتْ رُؤْيَتُهُ (أَوْ بَعْدَهُ أَوَّلَ الشَّهْرِ أَوْ آخِرَهُ، فَلَا يَجِبُ بِهِ صَوْمٌ) إنْ كَانَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ.
(وَلَا يُبَاحُ بِهِ فِطْرٌ) إنْ كَانَ فِي آخِرِهِ لِمَا رَوَى أَبُو وَائِلٍ قَالَ: «جَاءَنَا كِتَابُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إنَّ الْأَهِلَّةَ بَعْضُهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ فَإِذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ نَهَارًا فَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تُمْسُوا أَوْ يَشْهَدَ رَجُلَانِ مُسْلِمَانِ أَنَّهُمَا رَأَيَاهُ بِالْأَمْسِ عَشِيَّةً» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَرُؤْيَتُهُ نَهَارًا مُمْكِنَةٌ لِعَارِضٍ يَعْرِضُ فِي الْجَوِّ وَيَقِلُّ بِهِ ضَوْءُ الشَّمْسِ أَوْ يَكُونُ قَوِيَّ النَّظَرِ.
تَنْبِيهٌ:
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ: وَالْمُرَادُ بِمَا ذُكِرَ أَيْ: مِنْ أَنَّهُ لِلْمُسْتَقْبَلَةِ دَفْعُ مَا قِيلَ إنَّ رُؤْيَتَهُ تَكُونُ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ انْتَهَى أَيْ: فَلَا أَثَرَ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ نَهَارًا، وَإِنَّمَا يُعْتَدُّ بِالرُّؤْيَةِ بَعْدَ الْغُرُوبِ قُلْتُ: وَلَعَلَّهُ مُرَادُ أَصْحَابِنَا لِظَاهِرِ الْخَبَرِ السَّابِقِ وَلِمَا يَأْتِي فِيمَنْ عَلَّقَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، حَيْثُ قَالُوا: فَرُئِيَ وَقَدْ غَرَبَتْ، فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الرُّؤْيَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا.
(وَإِذَا ثَبَتَتْ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ بِمَكَانٍ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا لَزِمَ النَّاسَ كُلَّهُمْ الصَّوْمُ، وَحُكْمُ مَنْ لَمْ يَرَهُ حُكْمُ مَنْ رَآهُ).
لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ» وَهُوَ خِطَابٌ لِلْأُمَّةِ كَافَّةً؛ وَلِأَنَّ الشَّهْرَ فِي الْحَقِيقَةِ مَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ مِنْهُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ فَكَذَا الصَّوْمُ، وَلَوْ فُرِضَ الْخِطَابُ فِي الْخَبَرِ لِلَّذِينَ رَأَوْهُ، فَالْفَرْضُ حَاصِلٌ؛ لِأَنَّ مِنْ صُوَرِ الْمَسْأَلَةِ وَفَوَائِدِهَا: مَا إذَا رَآهُ جَمَاعَةٌ بِبَلَدٍ، ثُمَّ سَافَرُوا إلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ فَلَمْ يُرَ الْهِلَالُ بِهِ فِي آخِرِ الشَّهْرِ مَعَ غَيْمٍ أَوْ صَحْوٍ، فَلَا يَحِلُّ لَهُمْ الْفِطْرُ وَلَا لِأَهْلِ ذَلِكَ الْبَلَدِ عِنْدَ الْمُخَالِفِ وَمِنْ صُوَرِهَا: مَا إذَا رَآهُ جَمَاعَةٌ بِبَلَدٍ ثُمَّ سَارَتْ بِهِمْ رِيحٌ فِي سَفِينَةٍ فَوَصَلُوا إلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ فِي آخِرِ اللَّيْلِ، لَمْ يَلْزَمْهُمْ الصَّوْمُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَلَمْ يَحِلَّ لَهُمْ الْفِطْرُ فِي آخِرِهِ عِنْدَهُمْ، وَهَذَا كُلُّهُ مُصَادِمٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «: صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ»، وَأَمَّا خَبَرُ كُرَيْبٍ قَالَ: قَدِمْتُ الشَّامَ، وَاسْتَهَلَّ عَلَيَّ هِلَالُ رَمَضَانَ وَأَنَا بِالشَّامِ، فَرَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ، فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ، فَلَا نَزَالُ نَصُومُ، حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ، فَقُلْتُ: أَلَا نَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟ فَقَالَ: لَا هَكَذَا أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يُفْطِرُونَ بِقَوْلِ كُرَيْبٍ وَحْدَهُ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ.
وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ قَضَاءِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ هُوَ فِي الْحَدِيثِ، وَأَجَابَ الْقَاضِي عَنْ قَوْلِ الْمُخَالِفِ: الْهِلَالُ يَجْرِي مَجْرَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ لِكُلِّ بَلَدٍ حُكْمُ نَفْسِهِ، كَذَا الْهِلَالُ بِأَنَّ الشَّمْسَ تَتَكَرَّرُ مُرَاعَاتُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ فَتَلْحَقُ بِهِ الْمَشَقَّةُ، فَيُؤَدِّي إلَى قَضَاءِ الْعِبَادَاتِ، وَالْهِلَالُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً فَلَيْسَ كَبِيرُ مَشَقَّةٍ فِي قَضَاءِ يَوْمٍ، وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْعُمُومِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ.
(وَلَوْ اخْتَلَفَتْ الْمَطَالِعُ نَصًّا)، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ: الزَّوَالُ فِي الدُّنْيَا وَاحِدٌ.
(وَيُقْبَلُ فِيهِ) أَيْ: فِي هِلَالِ رَمَضَانَ (قَوْلُ عَدْلٍ وَاحِدٍ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ «لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوَّمَ النَّاسَ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ «وَلِقَبُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ الْأَعْرَابِيِّ بِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ وَلِأَنَّهُ خَبَرٌ دِينِيٌّ وَهُوَ أَحْوَطُ، وَلَا تُهْمَةَ فِيهِ بِخِلَافِ آخِرِ الشَّهْرِ؛ وَلِاخْتِلَافِ حَالِ الرَّائِي وَالْمَرْئِيِّ وَلِهَذَا لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ عُمِلَ بِهَا وُجُوبًا،.
وَ(لَا) يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ (مَسْتُورٍ وَلَا مُمَيِّزٍ) لِعَدَمِ الثِّقَةِ بِقَوْلِهِ (فِي الْغَيْمِ وَالصَّحْوِ) مُتَعَلِّق بِ يُقْبَلُ وَالْمِصْرِ وَخَارِجِهِ (وَلَوْ كَانَ) الرَّائِي (فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ) وَلَمْ يَرَهُ مِنْهُمْ غَيْرُهُ لِمَا سَبَقَ (وَهُوَ خَبَرٌ) لَا شَهَادَةٌ (فَيُصَامُ بِقَوْلِهِ): رَأَيْتُ الْهِلَالَ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ: أَشْهَدُ أَوْ شَهِدْتُ أَنِّي رَأَيْتُهُ.
(وَيُقْبَلُ فِيهِ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ) كَسَائِرِ الْأَخْبَارِ.
(وَلَا يُعْتَبَرُ) لِوُجُوبِ الصَّوْمِ (لَفْظ الشَّهَادَةِ وَلَا يَخْتَصُّ بِحَاكِمٍ فَيَلْزَمُ الصَّوْمُ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ عَدْلٍ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَوْ رَدَّ الْحَاكِمُ قَوْلَهُ، وَالْمُرَادُ إذَا لَمْ يَرَ الْحَاكِمُ الصِّيَامَ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ وَنَحْوِهِ) كَمَا لَوْ رَدَّهُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِحَالِهِ وَجَهْلِهِ عَدَالَتَهُ أَمَّا لَوْ رَدَّهُ لِفِسْقِهِ الْمَعْلُومِ لَهُ، لَمْ يَلْزَمْ الصَّوْمُ مَنْ سَمِعَهُ يُخْبِرُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ؛ لِأَنَّ رَدَّهُ لَهُ إذَنْ حُكْمٌ بِفِسْقِهِ، فَلَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ.
(وَتَثْبُتُ بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ) إذَا ثَبَتَتْ رُؤْيَةُ هِلَالِ رَمَضَانَ بِوَاحِدٍ (مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ) وَالْعَتَاقِ الْمُعَلَّقَيْنِ بِدُخُولِ رَمَضَانَ، (وَحُلُولِ الْآجَالِ) لِلدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ إلَيْهِ (وَغَيْرِهَا) كَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَالْخِيَارِ الْمَشْرُوطِ وَمُدَّةِ الْإِيلَاءِ وَنَحْوِهَا (تَبَعًا) لِلصَّوْمِ.
(وَلَا يُقْبَلُ فِي بَقِيَّةِ الشُّهُورِ) كَشَوَّالٍ وَغَيْرِهِ (إلَّا رَجُلَانِ عَدْلَانِ) بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِبًا وَلَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ أَشْبَهَ الْقِصَاصَ، وَإِنَّمَا تُرِك ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ، وَإِنَّمَا جَازَ الْفِطْرُ بِخَبَرِ وَاحِدٍ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ؛ لِمَا يُقَارِنُهُ مِنْ أَمَارَاتٍ تَشْهَدُ بِصِدْقِهِ؛ لِتَمْيِيزِ وَقْتِ الْغُرُوبِ بِنَفْسِهِ، وَعَلَيْهِ أَمَارَاتٌ تُورِثُ غَلَبَةَ الظَّنِّ، فَإِذَا انْضَمَّ إلَيْهَا أَخْبَارُ الثِّقَةِ قَوَّى الظَّنَّ، وَرُبَّمَا أَفَادَ الْعِلْمَ بِخِلَافِ هِلَالِ الْفِطْرِ فَإِنَّهُ لَا أَمَارَةَ عَلَيْهِ، وَأَيْضًا وَقْتُ الْفِطْرِ مُلَازِمٌ لِوَقْتِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَإِذَا ثَبَتَ دُخُولُ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِأَخْبَارِ الثِّقَةِ أُثْبِتَ دُخُولُ وَقْتِ الْإِفْطَارِ تَبَعًا لَهُ، ذَكَرَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَمْسِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ.
(وَإِذَا صَامُوا بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَلَمْ يَرَوْا الْهِلَالَ أَفْطَرُوا) فِي الْغَيْمِ وَالصَّحْوِ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْعَدْلَيْنِ يَثْبُتُ بِهَا الْفِطْرُ ابْتِدَاءً، فَتَبَعًا لِثُبُوتِ الصَّوْمِ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا بِالرُّؤْيَةِ السَّابِقَةِ إثْبَاتُ إخْبَارٍ بِهِ عَنْ يَقِينٍ وَمُشَاهَدَةٍ، فَكَيْفَ يُقَابِلُهَا الْإِخْبَارُ بِنَفْيٍ وَعَدَمٍ وَلَا يَقِينَ مَعَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الرُّؤْيَةَ يُحْتَمَلُ حُصُولُهَا بِمَكَانٍ آخَرَ، وَلِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
وَ(لَا) يُفْطِرُوا (إنْ صَامُوا) الثَّلَاثِينَ يَوْمًا (بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ)؛ لِأَنَّهُ فِطْرٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِدَ إلَى وَاحِدٍ كَمَا لَوْ شَهِدَ بِهِلَالِ شَوَّالٍ.
(وَإِنْ صَامُوا ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوْا الْهِلَالَ قَضَوْا يَوْمًا فَقَطْ نَصًّا) نَقَلَهُ حَنْبَلٌ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ عَلِيٍّ؛ وَلِأَنَّهُ يَبْعُدُ الْغَلَطُ بِيَوْمَيْنِ (وَإِنْ صَامُوا لِأَجْلِ غَيْمٍ وَنَحْوِهِ) كَقَتَرٍ وَدُخَانٍ (لَمْ يُفْطِرُوا) وَجْهًا وَاحِدًا قَالَهُ فِي الشَّرْحِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ إنَّمَا كَانَ احْتِيَاطًا فَمَعَ مُوَافَقَتِهِ لِلْأَصْلِ وَهُوَ بَقَاءُ رَمَضَانَ أَوْلَى.
(فَلَوْ غُمَّ هِلَالُ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ وَجَبَ أَنْ يُقَدَّرَ رَجَبٌ وَشَعْبَانُ نَاقِصَيْنِ) احْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ (وَلَا يُفْطِرُوا حَتَّى يَرَوْا الْهِلَالَ) لِشَوَّالٍ (أَوْ يَصُومُوا اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا)؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ إنَّمَا كَانَ احْتِيَاطًا (وَكَذَا الزِّيَادَةُ) أَيْ: زِيَادَةُ صَوْمِ يَوْمَيْنِ عَلَى الصَّوْمِ الْوَاجِبِ (إنْ غُمَّ هِلَالُ رَمَضَانَ وَشَوَّالٍ، وَأَكْمَلْنَا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ، وَكَانَا نَاقِصَيْنِ) فَقَدْ صِيمَ يَوْمَانِ زَائِدَانِ عَلَى الْمَفْرُوضِ.
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَعَلَى هَذَا فَقِسْ إذَا غُمَّ هِلَالُ رَجَبٍ وَشَعْبَانَ وَرَمَضَانَ انْتَهَى أَيْ: فَلَا يُفْطِرُوا حَتَّى يَرَوْا الْهِلَالَ، أَوْ يَصُومُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا.
(قَالَ الشَّيْخُ: قَدْ يَتَوَالَى شَهْرَانِ وَثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُ ثَلَاثِينَ ثَلَاثِينَ) أَيْ كَامِلَةً (وَقَدْ يَتَوَالَى شَهْرَانِ وَثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ).
عَنْ الْعُلَمَاءِ (لَا يَقَعُ النَّقْصُ مُتَوَالِيًا فِي أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ وَأَكْثَرُ أَيْ: أَرْبَعَةٌ فَقَطْ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ «شَهْرَانِ لَا يَنْقُصَانِ: رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ» نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ وَالْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُمَا لَا يَجْتَمِعُ نُقْصَانُهُمَا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ غَالِبًا وَقِيلَ: لَا يَنْقُصُ أَجْرُ الْعَمَلِ فِيهِمَا بِنَقْصِ عَدَدِهِمَا وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ تَأْوِيلَ مَنْ أَوَّلَ السَّنَةَ الَّتِي قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فِيهَا، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد وَلَا أَدْرِي مَا هَذَا؟ قَدْ رَأَيْنَاهُمَا يَنْقُصَانِ.
(وَقَالَ الشَّيْخُ أَيْضًا: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إنْ رُئِيَ الْهِلَالُ صَبِيحَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ، فَالشَّهْرُ تَامٌّ، وَإِنْ لَمْ يُرَ فَهُوَ نَاقِصٌ هَذَا بِنَاءً عَلَى الِاسْتِسْرَارِ) أَيْ: تَوَارِي الْهِلَالِ (لَا يَكُونُ إلَّا لَيْلَتَيْنِ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ) لِوُجُودِ خِلَافِهِ.
(بَلْ قَدْ يَسْتَسِرُّ) الْهِلَالُ (لَيْلَةً تَارَةً،
وَثَلَاثَ لَيَالٍ) تَارَةً (أُخْرَى).
(وَمَنْ رَأَى هِلَالَ شَهْرِ رَمَضَانَ وَحْدَهُ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ) لَفِسْقٍ أَوْ غَيْرِهِ (لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَجَمِيعُ أَحْكَامِ الشَّهْرِ مِنْ طَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَغَيْرِهِمَا مُعَلَّقِينَ بِهِ) لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ» وَكَعِلْمِ فَاسِقٍ بِنَجَاسَةِ مَاءٍ أَوْ دَيْنٍ عَلَى مَوْرُوثِهِ، وَلِأَنَّهُ يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَلَزِمَهُ صَوْمُهُ وَأَحْكَامُهُ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ.
(وَلَا يُفْطِرُ إلَّا مَعَ النَّاسِ)؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ لَا يُبَاحُ إلَّا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ.
(وَإِنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ، لَمْ يُفْطِرْ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعَهُ قَالَ «الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُونَ وَالْأَضْحَى يَوْمَ يُضَحُّونَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «: الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ وَالْأَضْحَى يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، وَلِاحْتِمَالِ خَطَئِهِ وَتُهْمَتِهِ، فَوَجَبَ الِاحْتِيَاطُ، وَكَمَا لَا يُعَرِّفُ وَلَا يُضَحِّي وَحْدَهُ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَ: وَالنِّزَاعُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ، وَهُوَ أَنَّ الْهِلَالَ: هَلْ هُوَ اسْمٌ لِمَا يَطْلُعُ فِي السَّمَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَهِرْ وَلَمْ يَظْهَرْ، أَوْ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى هِلَالًا إلَّا بِالظُّهُورِ وَالِاشْتِهَارِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ، هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ.
(وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَجِبُ الْفِطْرُ سِرًّا، وَهُوَ حَسَنٌ)؛ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَهُ يَوْمَ عِيدٍ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ صَوْمِهِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْيَقِينُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ إذْ يَجُوزُ أَنَّهُ خُيِّلَ إلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ يَتَّهِمُ نَفْسَهُ فِي رُؤْيَتِهِ احْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ، وَمُوَافَقَةً لِلْجَمَاعَةِ.
(وَالْمُنْفَرِدُ بِرُؤْيَتِهِ) أَيْ: هِلَالِ شَوَّالٍ (بِمَفَازَةٍ لَيْسَ بِقُرْبَةِ بَلَدٍ، يَبْنِي عَلَى يَقِينِ رُؤْيَتِهِ) فَيُفْطِرُ؛ (لِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ مُخَالَفَةَ الْجَمَاعَةِ قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ) عَلَى الْهِدَايَةِ.
(وَيُنْكَرُ عَلَى مَنْ أَكَلَ فِي) نَهَارِ (رَمَضَانَ ظَاهِرًا وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ عُذْرٌ، قَالَهُ الْقَاضِي) لِئَلَّا يُتَّهَمَ.
(وَقِيلَ لِابْنِ عَقِيلٍ يَجِبُ مَنْعُ مُسَافِرٍ وَمَرِيضٍ وَحَائِضٍ مِنْ الْفِطْرِ ظَاهِرًا لِئَلَّا يُتَّهَم؟ فَقَالَ: إنْ كَانَتْ أَعْذَارٌ خَفِيَّةٌ مُنِعَ مِنْ إظْهَارِهِ كَمَرِيضٍ لَا أَمَارَةَ لَهُ، وَمُسَافِرٍ لَا عَلَامَةَ عَلَيْهِ) لِلتُّهْمَةِ بِخِلَافِ الْأَعْذَارِ الظَّاهِرَةِ، وَهَذَا كَالتَّقْيِيدِ لِكَلَامِ الْقَاضِي.
(وَإِنْ رَآهُ) أَيْ: هِلَالَ شَوَّالٍ (عَدْلَانِ وَلَمْ يَشْهَدَا عِنْدَ الْحَاكِمِ جَازَ لِمَنْ سَمِعَ شَهَادَتَهُمَا الْفِطْرُ إذَا عَرَفَ عَدَالَتَهُمَا وَ) جَازَ (لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُفْطِرَ بِقَوْلِهِمَا إذَا عَرَفَ عَدَالَةَ الْآخَرِ) ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْح، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَقَدَّمَ فِي الْمُبْدِعِ عَدَمَ الْجَوَازِ وَأَنَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ.
(وَإِنْ شَهِدَا عِنْدَ الْحَاكِمِ) بِرُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ (فَرَدَّ) الْحَاكِمُ (شَهَادَتَهُمَا، لِجَهْلِهِ بِحَالِهِمَا فَلِمَنْ عَلِمَ عَدَالَتَهُمَا الْفِطْرُ؛ لِأَنَّ رَدَّهُ هَاهُنَا لَيْسَ بِحُكْمٍ مِنْهُ) بِعَدَمِ قَبُولِ شَهَادَتِهِمَا (إنَّمَا هُوَ تَوَقَّفَ لِعَدَمِ عِلْمِهِ) بِحَالِهِمَا (فَهُوَ كَالْوُقُوفِ عَنْ الْحُكْمِ انْتِظَارًا لِلْبَيِّنَةِ وَلِهَذَا لَوْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ) مِمَّنْ زَكَّاهُمَا (حُكِمَ بِهَا) لِوُجُودِ الْمُقْتَضَى، وَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا، وَأَمَّا إذَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا لِفِسْقِهِمَا فَلَيْسَ لَهُمَا وَلَا لِغَيْرِهِمَا الْفِطْرُ بِشَهَادَتِهِمَا.
(وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْرِفْ أَحَدُهُمَا عَدَالَةَ الْآخَرِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ الْفِطْرُ) لِاحْتِمَالِ فِسْقِهِ (إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِذَلِكَ حَاكِمٌ) فَيَزُولُ اللَّبْسُ، وَكَذَا لَوْ جَهِلَ غَيْرُهُمَا عَدَالَتَهُمَا أَوْ عَدَالَةَ أَحَدِهِمَا فَلَيْسَ لَهُ الْفِطْرُ إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِذَلِكَ الْحَاكِمُ.
(وَإِذَا اشْتَبَهَتْ الْأَشْهُرُ عَلَى أَسِيرٍ أَوْ مَطْمُورٍ أَوْ مَنْ بِمَفَازَةٍ وَنَحْوِهِمْ) كَمَنْ بِدَارِ حَرْبٍ (تَحَرَّى) أَيْ اجْتَهَدَ فِي مَعْرِفَةِ شَهْرِ رَمَضَانَ (وُجُوبًا)؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ تَأْدِيَةُ فَرْضِهِ بِالِاجْتِهَادِ، فَلَزِمَهُ كَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ.
(وَصَامَ) الَّذِي ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ رَمَضَانُ (فَإِنْ وَافَقَ) ذَلِكَ (الشَّهْرَ) أَيْ: شَهْرَ رَمَضَانَ (أَجْزَأَهُ وَكَذَا) إنْ وَافَقَ (مَا بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ رَمَضَانَ كَذِي الْقِعْدَةِ أَوْ مُحَرَّمٍ وَنَحْوِهِ كَالصَّلَاةِ (إنْ لَمْ يَكُنْ) الشَّهْرُ الَّذِي صَامَهُ (رَمَضَانَ السَّنَةِ الْقَابِلَةِ، فَإِنْ كَانَ فَلَا يُجْزِئُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) لِاعْتِبَارِ نِيَّةِ التَّعْيِينِ، (وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الشَّهْرَ الَّذِي صَامَهُ) يَظُنُّهُ رَمَضَانَ (نَاقِصٌ، وَرَمَضَانَ) الَّذِي فَاتَهُ (تَمَامٌ لَزِمَهُ قَضَاءُ النَّقْصِ)؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِعَدَدِ الْمَتْرُوكِ بِخِلَافِ مَنْ نَذَرَ شَهْرًا وَأَطْلَقَ؛ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى مَا تَنَاوَلَهُ الِاسْمُ (وَيَأْتِي) ذَلِكَ (فِي حُكْمِ الْقَضَاءِ وَيَقْضِي يَوْمَ عِيدٍ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ) يَعْنِي لَوْ صَامَ ذَا الْحِجَّةِ بِاجْتِهَادِهِ أَنَّهُ رَمَضَانُ لَزِمَهُ قَضَاءُ يَوْمِ الْعِيدِ، وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِعَدَمِ صِحَّةِ صَوْمِهَا.
(وَإِنْ وَافَقَ) صَوْمُهُ شَهْرًا (قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ رَمَضَانَ كَشَعْبَانَ (لَمْ يُجْزِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْعِبَادَةِ قَبْلَ وَقْتِهَا فَلَمْ يُجْزِهِ كَالصَّلَاةِ فَلَوْ وَافَقَ بَعْضُهُ رَمَضَانَ فَمَا وَافَقَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ دُونَ مَا قَبْلَهُ، (وَإِنْ تَحَرَّى وَشَكَّ: هَلْ وَقَعَ) الشَّهْرُ الَّذِي صَامَهُ (قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ رَمَضَانَ (أَوْ بَعْدَهُ؟ أَجْزَاهُ) لِتَأْدِيَةِ فَرْضِهِ بِالِاجْتِهَادِ، وَلَا يَضُرُّ التَّرَدُّدُ فِي النِّيَّةِ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ.
(وَلَوْ صَامَ شَعْبَانَ ثَلَاثَ سِنِينَ مُتَوَالِيَةٍ ثُمَّ عَلِمَ) أَنَّ صَوْمَهُ كَانَ بِشَعْبَانَ فِي الثَّلَاثِ سِنِينَ (صَامَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ) بِنِيَّةِ قَضَاءِ مَا فَاتَهُ مِنْ الرَّمَضَانَاتِ (شَهْرٌ عَلَى إثْرِ شَهْرٍ) أَيْ: شَهْرًا بَعْدَ شَهْرٍ يُرَتِّبُهَا بِالنِّيَّةِ (كَالصَّلَاةِ إذَا فَاتَتْهُ) نَقَلَهُ مُهَنَّا أَيْ فَإِنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ وَاجِبٌ، فَكَذَا بَيْنَ الرَّمَضَانَاتِ إذَا فَاتَتْ.
(وَإِنْ صَامَ) مَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْأَشْهُرُ (بِلَا اجْتِهَادٍ، فَكَمَنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ) لَا يُجْزِئُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الِاجْتِهَادِ.
(وَإِنْ ظَنَّ الشَّهْرَ لَمْ يَدْخُلْ فَصَامَ لَمْ يُجْزِئْهُ وَلَوْ أَصَابَ وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي دُخُولِهِ) أَيْ: دُخُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَلَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولُهُ كَمَا لَوْ تَرَدَّدَ فِي دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ.